عشت لحظات فَقْد عمالقة في كنيستنا،
بدايةً بأبينا الغالي المتنيح الأنبا ياكوبوس،
ثم الفقد الأكبر
بنياحة معلم الأجيال البابا شنودة الثالث،
والعديد من الآباء المطارنة والأساقفة
والكهنة والرهبان والخدام
الذين يصعب على الزمان أن يجود بأمثالهم.
وبالرجوع إلى حياة هؤلاء الآباء القديسين،
ألمس فيها كلها التكوين السليم،
فمن الناحية الأسرية
قد ورثوا التقوى والورع
وحب المسيح والصلاة وحب الكنيسة
وحياة التسبيح من والديهم،
فكانت بيوتهم كنائس رغم صعوبة أحوال الحياة
وكثرة التنقل بين البلدان
وبساطة المعيشة والحياة بالكفاف،
والحقيقة أن التكوين في الأسرة
هو العامل الأساسي الذي يأتي بثمار للملكوت،
فحياة القديس تبدأ في أسرةٍ مقدسة،
ولكني لا أحصر بهذا الكلام
خروج القديسين من بيتٍ فيه حياة قداسة،
فهناك العديد من القديسين
خرجوا من بيوت لا تعرف الله،
وهناك من هلكوا وكانوا يسكنون وسط القديسين،
ولكنني أتحدث عن الذين عاصرتهم من الراحلين في كنيستنا.
ثانيًا: التكوين في الكنيسة،
إنني أحسد هؤلاء الآباء جميعًا
على مَنْ وجدوهم في حياتهم مِن مرشدين،
فأسمع أن هذا تتلمذ على يدي البابا كيرلس السادس،
أو البابا شنودة الثالث،
وآخر على يدي القمص ميخائيل إبراهيم،
أو القمص بيشوي كامل،
أو غيرهم كثيرين من الآباء الأفاضل
الذين أكثرهم لا نعرفهم
ولم ينالوا من الشهرة الحظ الوفير،
ولكن كما قال الرب: "من ثمارها تعرفونهم"،
فكيف لا يصبحون هؤلاء عمالقة في الكنيسة،
وقادة مسوقين بالروح القدس
وهم قد خرجوا من تحت إرشاد روحي
ليس بحكمة الناس بل بقوة الله،
كيف لا يصبح هؤلاء بهذه القوة -كما رأينا-
في الادارة الكنسية دون أن ينسون أبديتهم
ودون أن ينسى الرهبان منهم حياتهم الرهبانية،
ودون أن تأخذهم زهوة المناصب،
كل هذا إنما جاء
من خلال تكوين نابع من إرشاد الله لمرشديهم
الذين اختفوا خلف المسيح
وتركوه يعمل في أبنائهم،
فخرجوا علينا بالصورة المبهرة
التي اكتسبوها من الرب نفسه لا إنسان.
وعن الرعاة أمثال قداسة المتنيح البابا شنودة
أو الآباء المطارنة والأساقفة،
لابد أن أذكر التكوين الرهباني في حياتهم،
كيف تتلمذوا على أيدي رهبان حقيقيين،
رسموا لهم الطريق السليم للراهب،
الطاعة والبتولية والتجرد، وحياة الصلاة الدائمة،
وكيف تكون قلاية الراهب مثل المياه للأسماك،
لا يمكنه أن يحيا إذا ابتعد عنها طويلًا،
ونذكر المتنيح الأنبا ثيؤفيلس
رئيس دير السريان العامر السابق،
كمدرسة تخرج فيها معظم الآباء
الذين نقف أمامهم بكل هذا التبجيل
والاحترام والتوقير،
ونرى من ثماره أنه كان أبًا غيورًا،
ومعلمًا حاذقًا للطريق الرهباني،
وبالرغم من أن هؤلاء الرعاة قد سلكوا طريق الخدمة
إلا أنهم احتفظوا بالرهبنة في قلوبهم
وتمسكوا بطقوسها وتعاليمها،
وكيف وهم وسط الخدمة في العالم
لم ينسوا أنهم رهبان،
يحملون قلاليهم في قلوبهم،
ويسرعون إليها بعد إتمام المهام اليومية،
ويشتاقون للدير والبرية دائمًا،
فكل هذا إنما يرجع لتكوينهم الرهباني
الذي تسلموه من مرشديهم.
نحن نؤمن أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد،
ونؤمن بعمل الروح القدس في الكنيسة،
نؤمن بعمله في كل من نال المعمودية والميرون
لأنه يسكنهم،
ولكننا نصلي دائمًا أن يكون لدينا
عوامل التكوين السليم
التي تُخرج لنا أتقياء
يحيون لله بكل الطرق في هذا الزمان الصعب،
تُخرج لنا من يتمسكون بكمالهم وسط إغراءات العالم،
تُخرج لنا الخدام الناريين،
والرهبان النساك الأتقياء،
والكهنة الذين يخدمون بروح الله العامل فيهم،
والرعاة الساهرين على حراسة رعيتهم،
الغيورين على كنيستهم،
المحافظين على ما تسلموه،
ليسلموه لجيلٍ جديدٍ،
حتى تستمر حلقات سلسلة التقليد الكنسي
بنفس القوة إلى مجيء المسيح له المجد آمين.
تعليقات
إرسال تعليق